عكيد…القائد الأسطورة للشعب الكردستاني

بدأت حرب الكريلا التي أصبحت من أهم الخطوات التاريخية في نضال حركة التحرر الوطني الكردستاني مع الرصاصة الأولى التي انطلقت من فوهة بندقية القائد الأسطورة عكيد في الــ 15 من آب 1984.

القائد الأسطورة عكيد (معصوم قورقماز) من مواليد ناحية فاقين في ولاية آمد الكردستانية عام 1956، وانتقل مع عائلته إلى إيله (باطمان) حيث ترعرع وكبر هناك، وتعرف على الفكر الثوري وخاض غماره في إيله.

تأثر المناضل عكيد (معصوم قورقماز) بالحركات الشبابية –الثقافية في كردستان بعد عام 1970، وتعرف على حركة التحرر الوطني الكردستاني بقيادة حزب العمال الكردستاني من خلال المناضل مظلوم دوغان الذي أصبح رمزاً للمقاومة الكردستانية في سجون الفاشية.
 

العودة إلى الوطن بعد 7 أشهر من التدريب

بدأ عكيد مسيرته النضالية الثورية في المكان الذي ترعرع فيه و من بعدها كانت له دائماً البصمة في الصفوف الأولى من كل الفعاليات والأنشطة الثورة في تاريخ حركة التحرر الوطني الكردستاني، لقد خاض صراعاً سياسياً وتنظيمياً مع الوسط المحيط به، وبحكم العمق الايديولوجي الذي كان يتصف به تمكن من تجاوز كل الصعوبات والعقبات التي واجهته بسبب طبيعة المجتمع الذي ترعرع فيه.

خرج القائد الأسطورة من أرض الوطن لأول مرة في شهر كانون الثاني 1980 حيث توجه إلى معسكر الفلسطينيين في لبنان، وبعد قضائه 7 أشهر من التدريبات العسكرية والإيديولوجية، سارع عائداً إلى أرض الوطن لتولي مسؤوليات ومهام أكبر، وهناك في أرض الوطن تعرض لأول إصابة أثناء وقوعه و أحد الكوادر المؤسسة لحزب العمال الكردستاني (PKK) الرفيق كمال بير في كمين نصبه جيش الاحتلال التركي، مما أدى إلى إصابته بجروح فيما وقع الرفيق كمال بير أسيراً بيد الفاشية التركية.

انضم للنضال التحرري الوطني عن وعي ودراية تامة 

كتب المناضل الكردستاني عكيد في تقريره الشخصي إلى حزب العمال الكردستاني (PKK) في السنة الأولى من انضمامه: لقد كانت لــ فارقين التي تتميز بالحس الوطني العالي، وكذلك تأثري بالحركات الثورية في تركيا، وارتباطي بحركة المثقفين-الشباب التقدمي، دوراً كبيراً في انطلاقتي الثورية؛ كنت أحب الثورة والعمل الثوري، لكنني لم ارتبط أبداً مع أية حركة سياسية بدأت العلاقة مع حركتنا في عام 1977، بعد عمليات البحث عن المجموعات السياسية التي ظهرت نتيجة تجمع المثقفين الشباب حول الحركة، وفهم الرفاق بشكل كبير و بدلاً من الانضمام إلى الحركات الإصلاحية والاشتراكية الشوفينية، آثرت الانضمام إليكم عن وعي ودراية تامة.

أصبح القدوة في مرحلة العودة إلى الوطن

وبعد عام 1982 وحتى ربيع عام 1983، لعب القائد الأسطورة عكيد (معصوم قورقماز) الذي اتخذ مكانه في اللجنة التحضيرية و يدير المهام العملية لحزب العمال الكردستاني أثناء مرحلة العودة إلى الوطن، دوراً فعالاً في قيادة الوحدات الثورية التي وصلت إلى مناطق متعددة في جنوب و شمال كردستان.

قيادة وحدات تحرير كردستان (HRK)

في الــ  15 آب تم انتخاب القيادي عكيد (معصوم قورقماز) لعضوية اللجنة المركزية في حزب العمال الكردستاني (PKK) كما تم انتخابه عضواً في القيادة المركزية لقوات تحرير كردستان (HRK)، وتولى قيادة أول وحدة تابعة لقوت تحرير كردستان في فريق الدعاية المسلحة في الــ  14 من تموز.

الخطوة الأهم في النضال التحرري

قال القيادي عكيد، الذي لعب دوراً مهماً في التخطيط والتنظيم لقفزة 15 آب، ما يلي قبل العملية الأخيرة تحت قيادته: لا ينبغي لأحد أن يتحرك خارج الخطة، ولا ينبغي لأحد بالتخلي عن نقاطهم، سيتم إطلاق الرصاص بكل دقة، ويجب أن يكون الرفاق حريصين جداً على عدم إطلاق رصاص على رفاقهم أو على المدنيين، وألا يقوموا بعمليات نهب، ستكون العودة تدريجية ودفاعية، بالإضافة إلى هذه الاعتبارات، سيتم تقييم مرحلة التخطيط على نطاق واسع وفهمها من قبل أعضاء المجموعة، وستقوم كل مجموعة بمناقشة وتقييم مهمتها 3-4 مرات.

بدأت مقاومة الكريلا، التي ستكون واحدة من أهم خطوات النضال من أجل حركة التحرر الكردستانية في التاريخ كأول رصاصة أطلقتها قفزة 15 آب بقيادة عكيد في عمليات دهيه -شمزينان.

كان الرفيق عكيد (معصوم قورقماز) محباً للإنسانية، لكن الديكتاتورية المتعطشة للدماء لم تترك له ولا للشعب الكردي خيار سوى حمل السلاح، حيث تم اعتقال آلاف الأشخاص لمجرد أنهم كرد وتعرضوا لأعمال غير إنسانية وغير قانونية وكانت انتفاضة الرفيق عكيد ورفاقه نتيجة ذلك.

لا بديلَ سوى المقاومة

ومن أجل حياة حرة كريمة، لم يكن هناك طرق بديلة سوى المقاومة، وكان هذا العمل يتطلب تقديم تضحيات عظيمة، استمر النضال من أجل الحرية حتى اليوم بروح 15 آب في ظل ظروف قاسية والهجرة القسرية، حيث أصبحت البطولة مع الرفيق عكيد رمزاً واكتساب الهوية والشخصية على هذا الأساس، والتاريخ الذي تم طمسه في بوطان، أعيد كتابته في كابار وجودي، كان هناك نضال للوصول إلى الإنسانية على الخط الذي يرسم التاريخ، لذلك تمت إعادة كتابة تاريخ الكرد الذي لم يتم تدوينه وإعادة كتابته لحظة بلحظة مع المقاومة التي أبداها رفاقنا.

أصبح منبعاً للأمل

وقال القائد عبدالله اوجلان  في بيان بعد استشهاد القيادي عكيد: بدأ عكيد العمل مع التنظيم، بانضباطية ، و ديناميكية، ونهجه في المعايير، والعمل الجاد، والتواضع، كما أصبح كـ "المنقذ للنهج الآبوجي ومناضل من أجل هذا الخط"، وفي مواجهة آلاف السنوات من اليأس في كردستان، كان دائماً مصدراً للأمل، حيث وضع اللبنة الاولى للوحدة وقاوم ضد كل أنواع الانقسام والتمييز، وكان دائما يسعى إلى بناء القيم، وعلى هذا الأساس كان يستمر بحياته،  وكان يسعى وراء المعرفة، والشخص الذي تعلّم ايضاً يشارك  في عملية التعليم، والشخص الذي يعطي الكثير من القوة والمعنويات لرفاقه، يهاب منه الأعداء والخونة بشدة، لذلك كان الرفيق عكيد دائماً هدفاً للعدو، هذا الرفيق، الذي أوصل تاريخ آلاف السنين إلى يومنا هذا، أصبح جسراً، ونتيجة مؤامرة غادرة ارتقى رفيقنا عكيد إلى مرتبة الشهادة في 28 آذار 1986 في جبال كابار في ولاية شرناخ.

وتحدث أحد القادة الأسطوريين لحزب العمال الكردستاني الشهيد ساري إبراهيم، الذي كان مع القائد عكيد لسنوات عديدة، حيث ناضل معه وتعلم منه القيادة والمقاومة، عن شخصية عكيد واستشهاده على النحو التالي:

"كان يعرف الناس جيدًا، كان مراقباً حساساً وعميقاً، كان قائداً حازماً ومشاركاً لكل شيء مع رفاقه، عادل ومتماسك، كان يتقرب من كل رفيق وفق وعيه ووضعه وإمكاناته، لم يرغب في أن يقوم أي منا في القيام بالكثير من العمل، كان يعرف جيداً، من سيخصص لمهمة ما وكيف ومتى؟ عاملنا جميعاً وفقاً لخبرتنا وقوتنا، كان المرء يشعر بالقوة في وجوده، كانوا يستمدون منه القوة ويعملون بكل حيوية، ويلعبون بدورهم الحقيقي في الحياة والنضال.

كان في الطليعة في كل ساحات النضال

كان الرفيق عكيد شخصاً جاداً في حياته ونضاله، كما كان شخصاً فكاهياً، دائماً في الطليعة في كل مجال من مجالات الحياة والنضال، وذو شخصية حساسة، تنظيمية، وذو تخطيط، لقد أعطانا المبادرة، ومن أجل التطوير كان يقترب من الجميع بحساسية، لقد أراد أن نطور أنفسنا، وأن نمتلك قوة الإرادة، وأن نكون أحراراً على هذا الأساس، وعندما يرى تقدماً طفيفاً من هذا يصبح سعيداً جداً، اهتم كثيراً بالرفاق وخلق القوة لديهم، كان يلتزم بفعل ما يبدو أنه صحيح، في بعض الأحيان كان يبقى وحيداً نتيجة ذلك،  لكنه كان يصّر على انجاح ذلك.

كان يتشاور معنا في كل موضوع، ويأخذ آراءنا ويضمّنا إلى ساحات النضال والحياة، ويقترب بشكل حساس من مسألة المحاسبة، كان ذو شخصية وجدانية، يستخدم عقله ووجدانه ايضاً في المواضيع مهما كانت صغيرة أو كبيرة، بسيطة أو معقدة، قبل اتخاذ أي قرار، كان يتخذ قراراته دائماً بمسؤولية، كانت معايير الرفيق عكيد هي معايير قيادتنا ومنظمتنا.

عندما كنا نتجاوز هذه المعايير، لم يعطي أوامر، كان شخصاً عادياً وشارك كل شيء مع رفاقه، وعندما كان يرى أننا نقوم بروح الرفاقية ومشاركة أي شيء مع بعضنا البعض يصبح مسروراً جداً. 

ارتقى شهيداً في كمينٍ غادر

صعدنا إلى قمة الجبل، كانت تلك الليلة باردة جداً، ونهاية شهر آذار، وكان لا يزال هناك ثلوج على جبال كابار، لقد رأينا بعض الآثار في مكان ما، فقام الرفيق عكيد بالبحث عن هذا الآثار، وقال: "هذه الآثار هي آثار درب العدو، يجب أن نكون حذرين"، بدأنا بالسير مرة أخرى، تحت قيادة عبد الرحمن لالاي من منطقة دشتا، والآن لا أتذكر جيداً من كان معنا في ذاك المسير، ولكن على الرغم من وجود الرفيق عكيد، كان هناك رفيقان رفيق خرخلا كمال (ولي تايهان) وسليم (فوزي آيدين)، وتم إطلاق الرصاص علينا فجأة أثناء المسير، وتعرضنا لكمين غادر نصبه العدو حوالي الساعة 2ـ 3 صباحاً.

حيث استمرت المعركة هنا قرابة عشرون دقيقة أونصف الساعة، ثم نزلنا إلى الأسفل، وتجمع الأصدقاء في السهل، وهناك رأيت الرفيق متين (كالندر إيلهان) مصاباُ.

بعد أن وصلنا إلى مكاننا، تفقدنا رفاقنا، رأيت الرفيق متين ولكن الرفيقان عكيد و لازكين لم نجدهما، ولم يكن هناك أي مصاب باستثناء الرفيق متين، ولم نكن نتوقع استشهاد الرفيق عكيد، كنا نتوقع أن الرفيق عكيد ولازكين انقطعوا من المجموعة وسوف يأتون إلى مكان الاجتماع…. انتظرنا في مكان الاجتماع حتى نشرة أخبار البي بي سي في المساء، ولم يأت الرفيق عكيد، وعندما استمعنا إلى أخبار البي بي سي في ذلك المساء علمنا أنه استشهد، وعلى الرغم من مرور كل هذا الوقت، لا زلنا نشعر بغياب الرفيق عكيد.